في عصر تسوده المعرفة والتقنية العلمية الحديثة والتطور السريع في استخدام الهاتف النقال والقنوات الفضائية وشبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال المعاصرة يتساءل البعض:هل إن انفتاح العالم على بعضه هكذا ليصبح قرية صغيرة واحدة نعمة أم نقمة؟
لقد أصبحت هذه الوسائل مطلب الجميع ولا يمكن الاستغناء عنها لما تقدمه من تسهيل للكثير من الأمور الحياتية والعلمية والترفيهية حيث وفرت العديد من الأمور الضرورية اللازمة للحياة الصعبة التي يعيشها الفرد.
وعلى الرغم من ذلك فقد ساهمت أيضا على إيجاد العديد من الظواهر السلبية في مجتمعنا حيث إن اغلب مستخدمي التكنولوجيا من الشباب هم من يستخدمها للتسلية والترفيه وتمضية الوقت. فمن الملاحظ غياب رقابة الأهل على أولادهم والحرية التامة الخاطئة في استخدام الانترنيت والهاتف النقال ومشاهدة القنوات الفضائية التي تزخر بالعديد من الأمور المرفوضة والممنوعة في مجتمعنا.وهذا ما أدى إلى قيام بعض الأبناء بسلوكيات غير مرغوب فيها وخصوصاً أولئك المراهقين غير القادرين على استخدام مثل هذه الأمور بوعي تام وثقافة صحيحة و مما يزيد الأمر سوءا انشغال الوالدين أنفسهم بهذه التقنيات بعد غياب احدهما أو كلاهما في العمل خارج البيت لساعات طويلة.
من البديهي أن تكون الأسرة نقطة البداية في تربية الأبناء وتنشئتهم على نحو صحيح لما لها من دور فعال في خلق شخصية الفرد وبنائها في المجتمع ولو لا الجهود التي يبذلها المربون لمسخت الإنسانية والمجتمعات.تشتمل الأسرة بحكم بنيتها ووظائفها على نسق من العلاقات التي تقوم بين أفرادها. وتعد العلاقة القائمة بين الأبوين المحور الأساس لهذه العلاقات التي تقوم بين أفراد الأسرة، حيث تعكس العلاقة الأبوية ما يسمى بالجو العاطفي للأسرة والذي يؤثر تأثيرا كبيرا على نمو الأطفال نفسيا ومعرفيا. فالأطفال – كما هو معروف – يتقمصون شخصية آبائهم ويتمثلون سلوكهم، كأنموذج تربوي بشكل شعوري أو لاشعوري، ويتحدد النمط السلوكي داخل الأسرة بتصورات الدور والمواقف التي يقوم بها أفراد الأسرة. ويلاحظ أن الأدوار المتكاملة داخل الأسرة هي التي تشكل منظومة العلاقات السائدة وسط الأسرة والتي تشكل بدورها محور التفاعل الاجتماعي والتربوي داخلها. و يرى الكثير من المربين أن ”العلاقة بين الوالدين من أدق العلاقات التي يتحمل بموجبها الأبوان مسؤولية تربية أولادهما فيؤسسان معا من خلالها مدرسة حقيقية لتربيتهم و تحديد ملامح شخصيتهم .
ولابد من أن تكون العلاقة بين الآباء والأبناء قائمة على المحبةٍ والود والاحترام والتفاهم، وان لا تكون متوترة ومتأزمة لعدم وجود رابط ود أو تفاهم أو حوار هادف يهدف إلى زيادة الصلة فالتربية السليمة للأبناء تتطلب من الآباء حمايتهم بالتحاور والتشاور معهم، ومحاولة معرفة ما يجول بأفكارهم ومساعدتهم في حل مشاكلهم الخاصة والتقرّب والتودد إليهم .
ولذلك فإن غياب الحوار البنّاء والفعّال بين الآباء والأبناء ، يجعل الابن لا يثق في والديه
ولا يبوح لهما بأسراره الخاصة ، بل أنه يفضل أن يأخذ معلوماته من إقرانه أو من وسائل اخرى كالإنترنت بدلاً من الوالدين البعيدين عنه بحنانهما ورعايتهما.أن كثيرًا من الآباء لم ينتبهوا إلى خطورة هذه الظاهرة معتقدين أنه ليس مطلوبا منهم أي شئ تجاه أبنائهم سوى توفير المسكن والملبس والإنترنت وألعاب التسلية والتي ربما تُشغل الفراغ لديهم . إن ذلك ودون أدنى شك سيؤدي إلى الاضطراب والتفكك الأسري وتصدع العلاقات بين الوالدين وأبنائهم والى عواقب وخيمة على نمو الفرد وصحته النفسية.
وتستطيع هذه الأسر تذليل جميع المشاكل والصعوبات والتوترات الداخلية التي تجابههم بالحكمة والتعقل وبالمحبة والتعاطف والاحترام العميق لمشاعر الجميع صغاراً وكباراً . ذلك أن الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة، وخاصة بين الوالدين من جهة وبين الوالدين وأبنائهم من جهة أخرى هو من أهم مقومات الاستقرار والثبات في الحياة الأسرية السليمة، ومتى ما كان الاستقرار والثبات هو السائد في الأسرة فإن تأثير ذلك سينعكس بكل تأكيد إيجابا على تربية الأطفال ونشأتهم.وعليه يقع على عاتق الوالدين مسؤولية كبيرة في إعطاء أبنائهم الفرصة للحصول على الخبرات اللازمة لمواجهة الحياة واتخاذ القرارات الصائبة والقيام ببعض الأعمال الهادفة والصحيحة مع مراعاةللفروق الفردية بين الأبناء من تفاوت واختلاف في الملكات والقدرات .فلا ينبغي ترك الثغرات ولا السماح للدخلاء بالاشتراك في تربية الأبناء ولا تركهم أمام الشاشات لتربيهم دون رقابة أو توجيه فيتربى الطفل عندئذ على المناهج الإعلامية السلبية، التي تفرز للمجتمع طفلا له توجه كبير نحو العدوان والعنف، ، ولذا فعلى الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها لأبنائهم ، ثم يكون هناك ثبات في إلزام الأبناء بتلك القواعد دون تذبذب أو اختلاف بين الأبوين .
وتستمر الحياة وتتوالى الأجيال ويتوارث الأبناء طباع الآباء ليورثوها مرة أخرى للأحفاد… وتظل الحياة علي هذا المنوال. والفجوة بين الآباء والأبناء قد تتسع وقد تضيق باختلاف طبائعهم وأفكارهم ومستوى تعليمهم وثقافتهم كما تتحكم فيهم العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع .وقد ناقش بعض خبراء التربية المشكلة الرئيسية التي تخلق الفجوات بين الآباء والأبناء في قضية التربية لكونها من اكبر المهام التي تقع علي عاتق الآباء وهي التربية الدينية والخلقية والسلوكية والثقافية والاجتماعية حتى يستطيع الأبناء أن يتقربوا من آبائهم وتضيق الفجوة بينهم. ومن هنا باتت العملية التربوية في ظل الفجوة الموجودة دائما بين جيل الآباء وجيل الأبناء تفتقر إلي مقومات النجاح والأسباب عديدة لذلك منها: المستجدات المعاصرة ، حيث أصبح جيل الشباب يواجه بحرا متلاطما من الأفكار والرغبات والتحديات التي تفرض عليه الانغماس فيها وهذا ما يسبب له ضغطا نفسيا كبيرا ويستلزم جهودا في التربية والتوعية والمزيد من التفهم لمعاناتهم اليومية لهذه التحديات. وهناك أيضا غياب ثقافة الحوار الهادئ مما زاد من اتساع الفجوة بين الآباء والمربين من جهة وبين الشباب من جهة اخرى بالإضافة إلي اسلوب النقد المباشر والمهين الذي يستخدمه بعض الآباء مع أبنائهم والذي لا يولد إلا العناد والتمادي في الخطأ ،خاصة إذا كان بصورة تحقيرية أو استفزازية ولذا يجب أن يكون الحوار مبنيا على التوجيه الهادئ لإيجاد جو من التفاهم المتبادل. وتحذر كثير من الدراسات الاجتماعية من اتساع الفجوة بين الأجيال لأنها تؤدي إلي جمود العواطف بين الآباء والأبناء وعدم المبالاة وانعدام الثقة والشعور المتزايد لدي الأبناء، فان الآباء فقدوا اسلوب التربية الصحيح مما يؤدي إلى التفكك الأسري وغياب الاحترام والتقدير واليأس من تربية الأبناء وانعدام القدوة.
وسوف ينعكس الجو الأسري السليم والصحي على الأبناء بلا ريب و لربما كان من الضروري تخصيص ساعة للحوار المفتوح على الأقل من يوم بين الزوجين و ساعة أخرى للحوار من يوم آخر بين الأبوين من جهة والأبناء من جهة أخرى، على أن يكون الحوار مفتوحا يتم خلاله الحديث مع الأبناء عما فعلوه خلال يومهم المدرسي أو الجامعي مثلاُ، ومعرفة ما يحبونه أو يكرهونه، والإجابة عن الأسئلة التي تعن في أذهانهم ومن المهم أيضاً توافر عنصر المصارحة في الحوار بين الآباء والأبناء وأن يكون ذلك في إطار النقد البناء والابتعاد عن التجريح وتحفيز الروح العدوانية. ومن الضروري أيضا وجود عنصر الثبات من جانب الأبوين في التعامل مع الأبناء والحرص على بقاء مصداقية الآباء أمام أبنائهم وان يكون الكلام قائما على المناقشة و الحوار بهدف الوصول إلى الإقناع.
ان ذلك يسهم في تغيير المجتمع نحو الأفضل وضمان عدم تبدل قيمه ومفاهيمه الأساسية لتحل بدلها قيم ومفاهيم جديدة غير صحيحة ويسهم أيضا في إنشاء جيل واع وغير مشوه ذهنياً ونفسياًوأخلاقيا فالله الله بثمرة القلوب وفلذات الأكباد وقرة الأعين.