بحوث و مقالاتمصادر في حقوق الانسان

منظمات المجتمع المدني والرأي العام وتحديد مستقبل السلام – حسام سالم

لمبحث الاول: الرأي العام العالمي ومستقبل السلام.
المطلب الأول: منجزات الحضارة البشرية وأثرها على السلام.

1_ الحضارة لغة :
تطلعنا معاجم اللغة العربية على أن كلمة (الحضارة) مشتقة من الفعل (حضر) فنقول حضر فلان, أقام في الحضر أو الحاضرة والحضر خلاف البادية (1),أن كلمة الحضارة تدل في اللغة على نمط خاص من الحياة, وهو الاستقرار والإقامة الدائمة ومن ثم فليس بالضرورة أن يكون هذا الاستقرار في المدينة إذ أن الاستقرار قد نشأ تاريخيا في القرى الصغيرة ثم اتسعت هذه القرى وتطورت فتحولت إلى مدن وعليه فان نشأة المدينة كانت متأثرة بالنسبة إلى نشأة القرية وكلمة الحضارة بمعنى الاستقرار والإقامة الدائمة تشمل القرى والمدن وفي المدينة توجد مظاهر التقدم العلمي والتقني والفكري والأدبي وغيرها.

   أما في اللغات الأجنبية فان كلمة الحضارة( civilization ) بالانكليزية أو الفرنسية               (civilisation  ) مشتقة من الأصل ألاتيني, وتعني مدني أو مواطن مقيم في المدينة وكلمة   (civitas ) تعني مدينة أو حاضرة ثم أخذت هذه الكلمة تدل على صفات الأدب والعلم  وحسن العشرة وما إلى ذالك من الصفات الحسنة التي يكتسبها الإنسان المتمدن واكتسبت  هذه الكلمة فيما بعد المعنى الشائع ألان وهو إما إشارتها إلى ألوحدات الحضارية التي ظهرت في تاريخ البشرية أو الحضارة , أي حضارة الانسان منذ أن وجد(2) .

   بعد أن استعرضنا مفهوم الحضارة في اللغة العربية واللغات الأوربية لابد من تبيان هذا المفهوم من الناحية الاصطلاحية وذالك للوقوف على المعنيين اللغوي والاصطلاحي.

2_ الحضارة اصطلاحا:

   لقد تطور استخدام كلمة الحضارة لتأخذ معناها الاصطلاحي خلال القرن التاسع عشر فأصبحت تشير إلى وضعية الرقي والتقدم على مستوى الفرد والمجتمع , الحضارة في مفهومها العام هي ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته سواء كان المجهود المبذول للوصول إلى تلك الثمرة مقصودا أم غير مقصود وسواء كانت الثمرة مادية أم معنوية(3).

   يقول (ارنولد توينبي في كتابه (البشر وأمهم الأرض) أن وعي الإنسان لنفسه أو ميلاد ما يسمى بالضمير يعتبر تاريخ بداية حضارة الإنسان أو بداية وجود كمخلوق متميز بنفسه عن سائر الحيوان وقادر على صنع الحضارة ومدرك لبعض القيم الإنسانية لان الإنسان في مرحلة كفاحه الطويل لينجو من الفناء كان مثله كمثل غيره من الحيوان)(4).

3_ الفرق بين الحضارة والثقافة:

   بعد أن عرفنا معنى الحضارة لغة واصطلاحا لابد من تميزها عن الثقافة التي غالبا ما يخلط بين  المفهومين,فالثقافة لغة مشتقة من الفعل (ثقف) والذي يحمل معاني التهذيب والإصلاح والتحويل والتقويم فنقول: ثقف الشيء أي حذقه وبذالك تعني الثقافة لغة : الحذق والفطنة والذكاء وسرعة الفهم واستخدام الفعل (ثقف) في القران الكريم بمعنى ظفر بالشيء ووجده وأدركه.

 

1)) د.مصطفى غنيمات, الحضارة والفكر العالمي, دار عالم الثقافة للنشر والتوزيع,الأردن ,2005,ط1,ص15.

(2)نفس المصدر,ص16.

(3)د.حسن مؤنس,الحضارة دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها,المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب,الكويت,1998,ط2,ص15.

(4)نفس المصدر,ص94.

                                                                                    (1)

   أما في اللغات الأوربية فان كلمة culture)) ترجع في أصلها ألاتيني إلى(cultura) والتي كانت تعني في العصور القديمة والوسطى حارثة أو فلاحة الأرض وتنميتها بالزراعة وهذا المعنى نجده في الكلمة (ajriculture)(زراعة) ثم تطور معنى هذه الكلمة واستخدمت بمعناها المجازي حيث أصبحت تطلق على فلاحة العقل وتنميته وخلال القرن الثامن عشر أخذت تعني تنمية العقل وتزينه بالمعرفة ثم انتقلت هذه الكلمة إلى مختلف اللغات الأوربية لتدل على المكتسبات العقلية والأدبية على المستوى الفردي والاجتماعي(1).

   والثقافة اصطلاحا هي كل ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات وبها يتميز هذا المجتمع عن ذاك أنها ثمرة كل نشاط أنساني محلي نابع من البيئة ومعبر عنها أو مواصل لتقاليدها وأنها أسلوب أو طريقة حياة مجتمع معين وبما تتظمنه حياته من تفاصيل تتعلق بطعمه ومشربه ومسكنه وما إلى ذالك(2) ,ولما كانت الثقافة هي أسلوب حياة إنسان معين أو مجتمع فهي ما يميز هذا المجتمع عن ذالك على الرغم من المظاهر الثقافية العالمية في عصرنا الحالي وذالك ما سنحاول تبيانه في سياق بحثنا.

1_الحضارة العالمية(عالمية الثقافة):

المطلب الثاني: منجزات الحضارة العالمية_عالمية الثقافة:

   قبل الدخول إلى منجزات الحضارة العالمية لابد من الإشارة إلى الحضارة العالمية أو عالمية الثقافة,البعض يناقش أن هذا العصر يشهد انبثاق ما يطلق عليه (نيبول) حضارة عالمية,ما الذي يعنيه هذا الاصطلاح  الفكرة تتضمن عموما الالتقاء الثقافي للبشرية والقبول المتزايد لقيم العقائد والاتجاهات و الممارسات و المؤسسات المشتركة للشعوب في جميع أنحاء العالم (3) ,وأيضا أن تعبير حضارة عالمية ربما يشير إلى الافتراضات والقيم والمذاهب التي تتمسك بها حاليا العديد من الشعوب في الحضارة الغربية وبعض الشعوب من الحضارات الأخرى (4),وهذا لا يعني أن قبل الحضارة العالمية التي تتجسد في الحضارة الغربية لم يكون هناك حضارة عالمية أخرى والتي تعني أن الحضارة العالمية اليوم هيا امتداد لتلك الحضارة و التي تجسدها اليوم الحضارة الغربية.

   ويفرق العلماء اليوم بين ثلاث أنواع من الثقافة: الثقافة نفسها الخاصة بشعب ثم ما يتفرع منها  من ثقافات محلية, ربما كانت هي الأساس الذي تقوم عليه حياة شعب نفسها, وهذا هو ما يسمى بالثقافة الفرعية أو التحتية ثم الثقافة العالمية أو العامة, التي تكون ألان بفضل ازدياد وسائل الاتصال بين الجماهير من صحف ومجلات وإذاعات ومراكز تلفزة بالإضافة إلى التلفون والتلكس وما يستجد بعد ذالك وكل نوع من هذه الثقافة نابع من أصل, فالثقافة الخاصة بشعب ناشئة عن بيئته وظروفه التاريخية والثقافة الفرعية أو التحتية ناشئة من فروع هذا الشعب والبيئات المحلية المختلفة التي يعيش فيها والثقافة العالمية ناشئة عن موجة العالمية أو الحضارة العالمية الموحدة التي نتجه نحوها اليوم.

(1)د.مصطفى غنيمات,المصدر السابق,ص9.

(2)نفس المصدر,ص13.

(3)د.صموئيل هنتغتن,صدام الحضارة وإعادة بناء النظام العالمي,الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان,ط1 ,1999,ص127.

(4)نفس المصدر,ص12.

                                                                                   (2)

وثقافة الأمة العامة تتجه إلى ابتلاع الثقافات الفرعية أو التحتية, والثقافة العالمية تتجه إلى القضاء على الثقافات المحلية, وعندما يكتمل تكوين تلك الثقافة العالمية تصبح حضارة عالمية, والاتجاه العام اليوم يتجه إلى ضرورة المحافظة على الثقافات المحلية ولكن الثقافة العالمية تغلب على غيرها مع الزمن كلما تحضر الشعب فقد جزءا من تراثه الشعبي المحلي وفقد نتيجة لذالك جزءا من شخصيته(1),ويعني هذا أن الشعوب تشكل ثقافة عالمية وحضارة عالمية من خلال تطويرها لتراثها الشعبي وعولمة هذا التراث أي الشعوب تستفيد اليوم من تراثها بعضها البعض وهذا ما تتيحه وسائل الاتصال والمواصلات التي أنتجتها حضارتنا البشرية العالمية من الشبكة العنكبوتية وغيرها من الوسائل العلمية التي تخدم الحضارة العالمية وتواصل والتقاء الشعوب المختلفة في ثقافة عالمية مشتركة.

(2).منجزات الحضارة العالمية:

بعد أن استعرضنا مفهوم الحضارة العالمية أو الثقافة العالمية نأتي ألان إلى منجزات هذه الحضارة.

A _ المنجزات الفكرية والعلمية والثقافية:

لقد نشأت العلوم والمعارف في وادي النيل منذ أن انتقل الإنسان إلى طور الحضارة في بداية الألف الثالث قبل الميلاد, أي الزمان الذي تعلم فيه الإنسان الزراعة وصناعة الفخار واستعمال المعادن, ولما نشأت الكتابة واتسع استعمالها في مختلف شؤون الحياة(2),والكتابة عند المصريين القدماء هي الهيروغليفية (الخط المقدس),وقد اخذ اليونان عن المصريين مواد الكتابة, أي الورق المصنوع من البردي, و أيضا لابد من الإشارة إلى أن الأدب القديم في وادي الرافدين أقدم أدب ظهر في التاريخ(3),لقد أسهم الاتصال في العالم القديم,اتصال اليونان مع حضارات الشرق القديم(4).

فتلقى اليونان عن تلك الشعوب كثيرا من علومهم ومعارفهم وأضافوا إليها كثيرا(5), لقد طور اليونان الفلسفة والفكر والمؤسسات السياسية, أما الحضارة العربية الإسلامية فقد كانت اهتمامات العرب تتجه بادئ الأمر صوب العلوم التي تحقق لهم فوائد علمية على الصعيد الشخصي أو على صعيد حياتهم الدينية العامة, كالرياضيات والفلك والطب والفلاحة(6), وامتدت المنجزات الحضارية للبشرية حتى وصلت إلى لحضه كتابة هذا البحث, من انجازات تخدم الإنسان المعاصر في الحضارة العالمية التي تقف على منجزات حضارات الشعوب الممتدة في عمق التاريخ منذ بدء قصة الحضارة.

(1)د.حسن مؤنس,المصدر السابق,ص390_391.

(2)د.مصطفى غنيمات, المصدر السابق, ص109.

(3)نفس المصدر,ص115.

(4)نفس المصدر,139.

(5)نفس المصدر ,ص140.

(6)نفس المصدر,ص219.

                                                                                     (3)

ولابد من الإشارة إلى أن انجازات الحضارة العالمية التي تهدد الحضارة, وهي اكتشاف الطاقة الذرية ودخول الإنسان في العصر الذري وقد كان هذا الاكتشاف نتيجة مجموعة كبيرة من التطورات في علم الفيزياء, واستخدام هذا الاكتشاف الذري, أولا في الميدان العسكري(1),مما يهدد الحضارة البشرية وفيما يلي استخدامات الطاقة الذرية في العلاج الطبي وفي انجاز المشروعات الهندسية الكبرى مثل شق الترع وحفر الأنفاق وهدم العوائق الصخرية الضخمة واستخدامها كمصدر للوقود, وإذا كانت الآلات التي اخترعها الإنسان من بخارية وكهربائية قد وفرت عليه طاقته الجسمية فأصبحت تنقلها بطريقة أسرع, وكان ظهور العقول الالكترونية مرحلة جديدة في حياة الإنسان العقلية وخطوة عظيمة فالعصر الحاضر هو عصر الانفجار المعرفي وانفجار المعلومات, فالعقول الالكترونية تلعب دورا هاما وحساب مداراتها واتجاهاتها, وعندما ظهرت العقول الالكترونية في القرن العشرين فتحت أفاقا واسعة للبشرية فكانت محصلتها شبكة الانترنت حيث شملت أقطارا متباعدة من العالم الذي يعيش عصر الانفجار المعرفي, ولقد أصبحت شبكة الانترنت في متناول الجمهور والإنسانية تمد ألان بما يعرف عصر الانفجار أو عصر الثورة المعلوماتية(ثورة المعلومات) ثم تكنولوجيا الاتصال أو ثورة وسائل الاتصال(2),والمنجزات الفكرية أدت إلى انتشار فكرة السلام العالمي بحيث أصبحت من القضايا المهمة والملحة على الساحة الدولية.

في مؤتمر ابريل 1995,حول معاهدة عدم انتشار أسلحة النووية يجب إعادة تجديدها لفترة غير محددة أو لمدة 25 سنة,الولايات المتحدة  قادة جهود لفترة غير محددة ولكن عددا من البلدان رفضت مثل هذا التجديد, إذ  تلازم ذالك لتقليص القدرات النووية للبلدان الخمس النووية(3).

B_الانجازات والتطورات السياسية الاجتماعية:

أن الحضارة البشرية اليوم تمر بمرحلة تحول ديمقراطي وحقوق الإنسان وترسيخ هذه المفاهيم في ذهنية الحكام والمحكومين على حد سواء.

خلال السبعينات والثمانينات أكثر من ثلاثين بلدا تغيرت من نظم تسلطية إلى نظم ديمقراطية, والتطور الاقتصادي عامل أساسي ساهم في هذه التغيرات ولكن بالإضافة إلى ذالك سياسات الولايات المتحدة والقوة الأوربية الرئيسية والمؤسسات الدولية ساعدت في تحقيق الديمقراطية(4),أن النظم السياسية ذات السمات الديمقراطية على العصور الحديثة, ففي العديد من بقاع العالم كان يتم انتخاب زعماء العالم, وفي بعض المناطق عاشت المؤسسات الديمقراطية طويلا على مستوى القرية, كما كان مفهوم الديمقراطية مألوفا في العالم القديم, ولكن كانت ديمقراطية الإغريق والرومان تستبعد النساء والعبيد وفئات أخرى من الناس كالأجانب من المشاركة في الحياة السياسية وكانت مسؤولية الكيانات الحاكمة أمام الشعب محدودة أيضا, أن الديمقراطية ليست مجرد ديمقراطية القرية والقبيلة الدويلة بل هي ديمقراطية الدولة الأمة ويرتبط ظهورها بتطور الدولة الأمة وحدث أول تحرك غربي نحو الديمقراطية في النصف الأول من القرن السابع عشر وكانت الأفكار والحركات الديمقراطية سمة هامة رغم إنها لم تكن محورية من سمات الثورة الانكليزية.

(1)نفس المصدر,ص287.

(2)نفس المصدر,ص287.

(3)صموئيل  هنتغتن,المصدر السابق,ص346.

(4)نفس المصدر,ص347.

                                                                                   ( 4)

وكانت ( تنظيمات كونيتكت الأساسية) التي تبناها المواطنين في هارتفورد والمدن المجاورة لها في 14 يناير 1638 هي(أول دستور مكتوب للديمقراطية الحديثة ) إلا أن الانتفاضات البريطانية المتزمتة لم تترك تراثا من المؤسسات الديمقراطية سواء في انجلترا أو أمريكا(1), وتكمن جذور الموجة الأولى في الثورتين الفرنسية والأمريكية(2), حيث تعتبر الثورة الفرنسية من الانجازات  المهمة التي أنجزتها الحضارة البشرية في تحرير الفرد من الاستبداد وأيضا على صعيد الحقوق والمساواة التي نادت بها الثورة على الرغم مما صاحبها من حروب هزت أوربا ولكنها تبقى خطوة مهمة أنجبتها الحضارة البشرية.

أما الموجة الثانية القصيرة من التحول الديمقراطي بدءا من الحرب العالمية الثانية, حيث أدى احتلال الحلفاء إلى دفع عملية إنشاء مؤسسات ديمقراطية في ألمانيا الغربية وايطاليا والنمسا واليابان وكوريا وفي أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينات تحركت كل من تركيا واليونان باتجاه الديمقراطية وتحولت كل من البرازيل وكوستاريكا إلى الديمقراطية وفي أواخر الأربعينات وفي الوقت نفسه أفرزت بداية نهاية الحكم الاستعماري الغربي عددا من الدول الجديدة(3),وهذا يعتبر بحق بداية انتهاء الاستعمار وإعطاء  الشعوب حقها لتقرير مصيرها حيث كانت موجة عالمية في ستينات القرن المنصرم من حركات الاستقلال على الصعيد العالمي وحصرت الكثير من الدول على استقلالها وهذا يعتبر تطورا في حضارتنا.

لقد تزامنت بدايات الموجة الثالثة الديمقراطية مع انعقاد مؤتمر الأمن والتعايش في أوربا وقانون (هلسنكي) الختامي وبدء ما عرف بعملية (هلسنكي) وثم ثلاث عناصر في هذه العملية أثرت على تطور حقوق الإنسان والديمقراطية في أوربا الشرقية أولها ثبتت المؤتمرات الأولية وما تلاها العديد من المواثيق التي تضمنت الشرعية الدولية على حقوق الإنسان والحريات ,وللرقابة الدولية على هذه الحقوق في مختلف الدول وكان البيان الختامي الذي وقع عليه رؤساء 35 دولة أوربية وأمريكية شمالية في أغسطس عام 1975 الثالث من الاتفاقية على مسؤولية الحكومات عن دفع التدفق الحر للمعلومات وعن حقوق الأقليات وحرية التنقل ولم شمل العائلات, وفي يناير 1989 تضمنت الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمن والتعاون الأوربي بنودا أكثر تفصيلا فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية كما نصت على إنشاء مؤتمر عن البعد الإنساني عقد بباريس في مايو _يونيو 1989وفي (كوبن هاغن)في يونيو 1990 وقام الاجتماع الأخير بالتصديق على وثيقة تدعم دور القانون والديمقراطية والتعددية السياسية والحق في تشكيل الأحزاب السياسية وإجراء الانتخابات الحرة النزيهة وعلى مدى خمس عشر عاما انتقلت دول مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي في مرحلة, بمثابة واحد من عشر مبادئ احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية, بما فيها حرية الفكر والضمير والدين وركز البند على الالتزام بعدد محدود من حقوق الإنسان إلى دعم كل أبعاد الحريات والكيانات الديمقراطية.

(1)صموئيل هنتغتن,الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين,دار سعاد الصباح,ط1 ,1993,ص72_73.

(2) نفس المصدر,ص74.

(3)نفس المصدر, ص77.

                                                                                   (5)

وكان تأثير عملية (هلسنكي) في أبعاده الثلاثة محدودا على التحول الديمقراطي في أوربا الشرقية إلا انه كان حقيقيا, فقد تبنت الحكومات الشيوعية مبادئ الغرب فيما يتصل بمستويات حقوق الإنسان وبالتالي فقد انفتحت للنقد الدولي والمحلي حيث خالفت هذه الحقوق فكانت عملية (هلسنكي)باعثا للإصلاحيين وسلاحا لهم في محاولات فتح أبواب مجتمعاتهم(1),أن قضية الثقافة الديمقراطية تركز الاهتمام على العلاقة بين أداء الحكومات الديمقراطية الجديدة ومدى فعاليتها وبين شرعيتها, بعبارة أخرى, هي مدى إيمان النخب والجماهير قيمة النظام الديمقراطي(2),لقد دلت دراسات عديدة أجريت في بلدان مختلفة على أن فرص تسوية المنازعات السياسية بالضر وف السلمية تزداد بزيادة الإنتاج الوطني الإجمالي إذا أن هناك ترابطا ايجابيا ما بين التطور الاجتماعي بالتسوية السلمية للمنازعات السياسية,لان التطور الاقتصادي يؤدي إلى القضاء على حالة العوز والتقليل من تأثيراتها لان قلة الموارد من جهة وكثرة الحاجات من جهة أخرى فضلا عن سوء التوزيع في الثروة يولد صراعا عنيفا(3),إذا أن التفاوت الاقتصادي بين عالم الجنوب والشمال جعل الحضارة العالمية في خطر.

C_ العولمة الاقتصادية وصراع الحضارات:

لقد شهد العالم قبل نهاية القرن العشرين ظاهرة اصطلح على تسميتها بالعولمة,وتعتبر العولمة أهم التحديات التي أخذت تواجه كثيرا من دول العالم,فلقد تنبهت فرنسا على خطر العولمة الأمريكية, فسمتها امبريالية ثقافية أمريكية كما يرى البعض في العولمة تعميمها لنمط ثقافي واحد في مقابل طمس وتذويب الثقافات الأخرى حيث تستلزم سيادة لغة ومعتقدات وقيم وعادات وتقاليد معينة والتنازل عن الخصوصية والهوية والثقافة لصالح النموذج الثقافي الأمريكي(4),إذا هنا نرى في العولمة الاقتصادية ألا وهي انتشار نفوذ الشركات المتعددة الجنسيات لغرض الربح وجعل من العالم ككل سوقا لها والنظرة السلبية للعولمة تأتي من فكرة (الفرض) التي تقوم عليها وخصوصا فرض النموذج الأمريكي للعالم, ولكن كما تبين لنا أن الحضارة والثقافة العالمية هي القواسم المشتركة بين شعوب الأرض والانجازات تعود للبشرية ككل حيث يستفيد الفرد داخل العراق من جهاز الموبايل الذي يصنعه الصانع الياباني وأيضا يستفيد الفرد العراقي من الطائرة التي يصنعها الصانع الألماني.

على الرغم من إعلان فكرة صدام الحضارات من قبل (صموئيل هنتغتن) وهو يؤكد على أن الصراع المقبل على المستوى العالمي صراع الحضارات وان الصراعات المهمة في السياسة الدولية ستكون بين الدول والمجتمعات المنتمية إلى الحضارات المختلفة(5).

(1).صموئيل هنتغتن ,المصدر السابق,ص156_157.

(2)نفس المصدر,ص345.

(3)د. صادق الأسود,علم الاجتماع السياسي,دار الحكمة للطباعة والنشر,بغداد,1991,ص241_242.

(4)د.مصطفى غنيمات,المصدر السابق,ص295,296

(5)نفس المصدر, ص302.

                                                                                    (6)

يؤكد الدكتور( محمد عابد الجابري) على أن فكرة صدام الحضارات من الناحية العملية مجرد وهم إذ يلزم أن تكون الحضارات أشبه بالصحون أو السيارات وما إلى ذالك حتى يمكننا أن نتصور ذالك, ولكن هذه الفكرة على الصعيد الإستراتيجية السياسية والعسكرية والثقافة تنطوي على نوايا وأهداف(3), أن فكرة الحضارات, اشكاليتها حضارة إنسانية كونية,العلاقة بين القوة والثقافة, توازن القوة المنتصرة بين الحضارات,والتأصل الثقافي في المجتمعات الغير الغربية والتركيب السياسي للحضارات, الصراعات التي ولدتها العالمية الغربية, الأصولية الإسلامية,  وإعادة تأكيد الصينية,ردود الفعل لتعرض القوى الصينية أسباب وديناميات حرب خط الصدع بين الحضارات ومستقبل الغرب وعالم الحضارات.

نرى الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب هي أن الثقافة أو الهوية الثقافية وفي أوسع معانيها الهوية الحضارية(4) ,تشكل صراعات ما بعد الحرب الباردة,هذه الدعوات لصدام الحضارات هي دعوات سياسية مصلحيه من قبل منظري الولايات المتحدة وهي لا تنسجم مع مصالح الشعوب وذالك لان الحضارة العالمية اليوم تشترك فيها حضارات شعوب العالم كلها فيها على الرغم من الاختلافات,ولكن تبقى الحضارة العالمية اليوم هي السائدة والطريق مفتوح لأي شعب أن يساهم وينجز ويبني هذه الحضارة لخدمة البشرية والإنسان المعاصر,أن أطروحة صدام الحضارات تغذي الكراهية وتحول دون تحقيق السلم والأمن الدوليين بينما الانطلاق من ثقافة حوار الحضارات يقود إلى أبعاد العنف والتسلح ويوفر الأرضية المناسبة للسلام.

(3)نفس المصدر,ص303.

(4)د.صموئيل هنتغتن, المصدر السابق,ص9_10.

                                                                                    (7)

المبحث الثاني: منضمات المجتمع المدني والرأي العام وتحديد مستقبل السلام:

ِِِِِA _حول المجتمع المدني:

1_المجتمع المدني :

مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم الأولى التي جادل فيها ماركس ,هيغل عام (1843_م)في نقده حقوق الدولة في الرؤية الهيجلية, وهدف في نقده إلى إضفاء محتوى مادي أكثر على المفهوم ونشره باعتباره مفهوما ثوريا ,وليس مجرد مفهوم فلسفي فالمجتمع المدني هو الفضاء الذي يتحرك فيه

الإنسان(1), وأيضا فإننا نستطيع القول بان الممهدات المعرفية والثقافية والنظرية للمجتمع المدني الحديث قد نضجت في عصر النهضة الأوربية,من قبل فلاسفة الأنوار الذين أسسوا لمفهوم المجتمع المدني الحديث في الفكر السياسي أليبرالي(2).

ويعود مفهوم المجتمع المدني كمصطلح حسب تقدير الكثير من الباحثين في مجال العمل لفترة زمنية حديثة من القرن العشرين كتنظيم غير مرتبط رسميا موجها من قبل السلطات بالرغم من الجذور التاريخية القديمة لنشأة التجمعات الاتحادية والاجتماعية والسياسية منذ فجر التاريخ البشري(3).

2_المجتمع السياسي:

الفيلسوف الايطالي الماركسي (انطونيو غرا مشي) اعتبر المجتمع المدني جزءا من البنية الفوقية وهو يرى أن هنالك مستويين للمجتمع,هما المجتمع المدني الذي هو عبارة عن مجموعة التنظيمات التي غالبا ما تسمى بالتنظيمات الخاصة والمستوى الثاني يدعى بالمجتمع السياسي أو الدولة و وظيفة المجتمع المدني الهيمنة عن طريق الثقافة والإيديولوجية أما وظيفة الدولة (المجتمع السياسي) فهي السيطرة والإكراه واعتبر المجتمع المدني مجالا للتنافس الإيديولوجي فالمجتمع المدني بأحزابه ونقابته تياراته السياسية.

فالعلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي علاقة جدلية ويمكن للمجتمع المدني أن يكون مساندا للدولة أو معارضا لها وفي الحالة الأولى يشكل المجتمع المدني مصدر الشرعية لسلطة الدولة عبر مشاركة منظمات المجتمع في صنع القرار السياسي ,أما في الحالة الثانية التي تتصدى الدولة بجهازها ومؤسستها القمعية لكل أشكال الاضطراب والثورة تبدو الدولة وكأن المجتمع وجد من اجلها لا العكس,وأما في الوقت الحاضر فقد تزايد الاهتمام بدراسة المجتمع المدني ضمن الاهتمام بالديمقراطية وحقوق الإنسان على المستوى العالمي(4).

يتضح أن مفهومي المجتمع المدني والمجتمع السياسي متناغمان إذا وجها لمصلحة واحدة ومتنافران إذا كانت الدولة قمعية واستبدادية وهما ليس نقيضان إذا كانت الدولة ديمقراطية قانونية تحترم حقوق الإنسان والسلام.

 

 

(1)د.حبيب الجنحاني وسيف الدين عبد الفتاح إسماعيل,المجتمع المدني وأبعاده الفكرية,دار الفكر,دمشق,ط1, 2003,ص16.

(2).شاهر احمد نصر, الدولة والمجتمع المدني, دار الرأي للنشر, دمشق, ط1, 2005, ص183.

(3)د.عبد الستار البار, وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني وقائع المؤتمر الوطني الأول لمؤسسات المجتمع المدني, بغداد 19_20, 2004, ص27.

(4)د.فوزية العطية,وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني وقائع المؤتمر الوطني الأول لمؤسسات المجتمع المدني,بغداد 19_20, 2004,ص47.

                                                                                         (8)

3_منظمات المجتمع المدني:

منظمات المجتمع المدني هي عبارة عن المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية,التي تعمل في ميادين مختلفة بشكل مستقل عن سلطة الدولة لتحقيق أهداف متعددة(1),وسوف نشير إلى هذه المؤسسات وسنعرضها على إنها مؤسسات غير حكومية, أي ليس للحكومة دور بتأسيسها وإنما هي منبثقة من ربوع الشعب وقامت لأجل تحقيق بعض المزايا له وهي أيضا مؤسسات غير ربحية وتعد من سمات المجتمعات المعاصرة والمتقدمة(2),إذا هذه المؤسسات تعمل في فضاء واسع خارج سلطة الدولة وهي بذالك تعتبر أداة مهمة لتحقيق السلم عن طريق نشاطاتها المتعددة والمتنوعة مما يودي إلى خدمة السلم والأمن الدوليين.

وسأضرب هنا مثال على إحدى المؤسسات المهمة في مجال حقوق الإنسان وهي (فضلا عن اللجنة الدائمة للديمقراطية وحقوق الإنسان التابعة وتقترح مسودة قرارات كي تعتمدها جمعية الاتحاد,أسس الاتحاد البرلماني الدولي عام 1976 آلية خاصة للدفاع عن حقوق الإنسان التي يتمتع بها أعضاء البرلمان, وهي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان للبرلمانيين. وتعود فكرة إنشاءها إلى أن أعضاء البرلمان لا يستطيعون أداء دورهم كحراس لحقوق الإنسان إلا إذا كانوا يتمتعون بهذه الحقوق بدورهم.

تتألف الجنة من خمسة أعضاء شرف , يمثلون المناطق الكبرى في العالم ينتخبهم مجلس الحكم التابع للاتحاد البرلماني الدولي, بصفتهم الشخصية, لولاية تستمر خمس سنوات. وهم يجتمعون أربع مرات في السنة.و ينص تكليف اللجنة على دراسة الشكاوى المحالة إليها, في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي تطال أعضاء البرلمان ومن خلال التعاون مع السلطات في الدول المعنية ومع مصادر المعلومات على التوالي تسعى اللجنة إلى حل القضايا التي كانت قد أعلنت قبولها وذالك بما يتوافق مع قانون حقوق الإنسان الوطني والدولي الممكن التطبيق.

تتخذ اجراءت اللجنة طابع السرية لكن اللجنة قد  تقرر أن تجعل إحدى القضايا علنية من خلال لفت نظر مجلس الحكم إليها في مثل هذه الحالات تقدم الجنة تقريرا علنيا ومشروع قرار كي يعتمده المجلس.

لمناسبة انعقاد جمعيات الاتحاد البرلماني الدولي النصف السنوية تدعو اللجنة  الوفود وبشكل منتظم إلى تبادل الآراء حول القضية أو القضايا التي تقوم بدراستها ويمكن أن تنظم أيضا بعثات ميدانية شرط أن تمنح السلطات موافقتها وبما أن اللجنة تواصل دراستها لقضية حتى تعتقد بإمكانية التوصل إلى تسوية مرضية وفيه ما زالت تعالج بعض القضايا في ا لهندوراس ,وهي تتعلق باغتيال عضو برلماني عام 1988,مفتوحة حتى العام 2003,أي حتى توقيف احد القتلة أخيرا ومثوله أمام القضاء(3).

 

(1)د.فوزية العطية, المصدر السابق ,ص47.

(2)حسام سالم, دور مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخ الديمقراطية, جريدة زهرة نيسان,العدد(15),الاثنين 27 شباط,2006,ص4.

(3)اينجيبورغ شوارتز,ترجمة نور الأسعد,اللجان البرلمانية لحقوق الإنسان,المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية,بيروت,2007, ص26.

                                                                                        (9)

4_دور منظمات الغير حكومية في تحديد مستقبل السلام:

مع بروز طابع العولمة وعملياتها والياتها التي انشات بيئة مرابية تنزع على نحو متزايد إلى عولمة نظم الاقتصاد وسياقات النظام الدولي وكذالك مشاكل الإنسانية الراهنة(منها السلام العالمي) وهو مما دفع المجتمع المدني بدوره ضمن هذه الظاهرة إلى اكتساب الطابع العولمي, ومثلما تكونت هيئات ومنظمات وتنظيمات ومؤسسات جديدة مشتركة بين الدول لمعالجة قضايا تتجاوز الحدود القومية, وكما ظهرت قوى السوق العابرة للقارات فقد نشأت مؤسسات جديدة للمجتمع المدني تتجاوز الحدود القومية بهدف زيادة تأثيرها على الأحداث والعمليات التي تشكل المجتمع, مما يعني انتقال نشاط المواطنين من مستوى المجتمع المحلي إلى المستوى القومي والإقليمي ثم إلى العالمي ثم يرتد مرة أخرى إلى المستويين القومي والمحلي كترجمة لمقولة( فكر عالميا ونفذ محليا)(1), ومن القضايا التي يعالجها المجتمع المدني التوعية باتجاه السلام الأهلي والعالمي وتوسيع من دائرة المشاركة لكافة فئات المجتمع في صنع القرار مما يؤدي إلى بناء وتوفير الشرعية للدولة وبالتالي الابتعاد عن العنف وتحقيق السلام على المستويين المحلي والعالمي.

وأيضا يشمل المجتمع المدني العالمي على الروابط والتنظيمات المدنية التي تقوم على منظومة من الأسس( الانضمام الطوعي والاختياري_ تهدف هذه الروابط والتنظيمات تحقيق النفع العام اجتماعيا وتنمويا_ أساس العضوية يستند إلى المواطنة العالمية فلا اعتبار لجنسيات أو لهويات ترتبط بدولة ما, تتبع تلك الروابط والتنظيمات عددا من الخصائص التنظيمية المحددة لأساليب العمل والأداء منها الشفافية, عقلانية القرار, الديمقراطية المباشرة..الخ)(2), إن جملة هذه الأسس التي يقوم عليها المجتمع المدني العالمي تؤدي وبلا شك إلى الاقتراب من تحقيق السلام العالمي وان تعزيز دور المجتمع المدني على المستويين المحلي والعالمي يؤدي إلى تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية وبالتالي إلى إنهاء العنف المحلي والعالمي مما يؤدي إلى تحقيق السلام العالمي.

B_ حول الرأي العام:

1_مفهوم الرأي العام:

لكي نعرف الرأي العام علينا أن نعمل على تفكيكه إلى مكوناته الأساسية وهي الرأي والعام:

فما هو الرأي؟هو حكم أو وجهة نضر للإنسان الفرد أو الجماعة كمنتج عقلي مبني على التجربة والملاحظة والخبرة والموروث الثقافي للفرد أو الجماعة, وتتم عملية التعبير عنه بشكل ظاهر علني أو مستتر وبطرق مختلفة ووسائل متعددة, في الكلمة أو الحركة أو الصورة أو النظرة أو الإشارة وحتى بالصمت والسكوت.

أما بالنسبة للعام فان الرأي الفردي للأشخاص ليس هو محط اهتمام دراستنا هنا وان كان ذا أهمية في تكوين وإنضاج, وتكوين ما هو عام أي أن مفهوم الرأي العام معني برأي الجماعة التي توجد وتربط فيما بينهما بروابط الهدف المشترك والمصلحة المشتركة أو المصير العام وهنا لكي تكون ذات رأي عام يجب أن تكون لها قضية مشتركة فليس كل جماعة هي معنية أو مشكلة أو هي منتجة للرأي العام فقد تكون تجمع أو كتلة بشرية هلامية لا يربط بينها أي رابط ولا قصته مشتركة.

 

(1)د.الحبيب الجنحاني والدكتور سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل, المصدر السابق, ص134_135.

(2)نفس المصدر,ص139.

                                                                                       (10)

ومن شروط هذه القضية المشتركة يجب أن تكون ستار جدل وخلاف واجتهاد وليس من الأمور المسلم بها كالأعراف والسلوكيات الاجتماعية السائدة,حيث ستكون هذه المسلمات أو التقاليد والأعراف والبديهيات عوامل إسناد أو إعاقة للقضية المطروحة على الرأي العام,وقد عرفه نعمة ألعبادي (رأي الجماعة التي تربطها رابطة الاعتماد المتبادل حول قضية جدلية تخص مصلحة وربما مصير تلك الجماعة).

بعد أن وقفنا على مفهوم الرأي العام لابد من الإشارة إلى أنواع الرأي العام وذالك للتعرف على الرأي العام الذي يدخل في سياق بحثنا.

2_أنواع الرأي العام:

A_المعيار المكاني أو الجغرافي/وهو الحيز المكاني المشمول بالقضية أو الإشكالية المراد تعنيه الرأي العام بشأنها ويمكن تقسيم هذا المعيار إلى:

1_الرأي العام المحلي/وهو ما يختص بحيز جغرافي محدد أو بحيز وطني محدد.

2_الرأي العام الإقليمي / وهنا يكون الحيز أوسع من الحيز الأول مثل الرأي العام الخليجي أو الرأي العام العربي أو على مستوى قارة كالرأي العام الأسيوي أو الإفريقي.

3_الرأي العام العالمي /وهنا يكون الرأي العام يشمل العالم بأسره(1).

وهنا يهمنا الرأي العام العالمي الذي تسهم في تشكيله مؤسسات المجتمع المدني الذي اشرنا إليها في سياق بحثنا وذالك ليكون رأي عام داعم للسلام على الصعيد العالمي وأيضا داخل الحدود الوطنية للدول يكون الرأي العام المحلي متفاعل مع الرأي العام العالمي فيما يخص مشكلة السلام والنزاعات ليكون وسيلة ضغط على الحكومات وبالتالي السير في طريق السلام.

3_عالمية الرأي العام:

A_هناك ست أحداث ساعدت على ظهور الرأي العام العالمي وهي :

1_الثورة البلشفية عام 1917.

2_قيام أول منظمة عالمية لصيانة السلام(عصبة الأمم).

3_الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى ظهور الرأي العام العالمي كثير من دول العالم الأول تأثرت خاصة أمريكا.

4_ وأيضا العدوان الفاشي والحرب العالمية الثانية كان لها دور في ظهور الرأي العالمي.

5_ و قيام الأمم المتحدة ساعدت على بلورت الرأي العام العلمي.

6_و 1955 صار مؤتمر في باندونج_اندنوسيا_للتعايش السلمي ظهرت مجموعة دول عدم انحياز في البداية كانت الدول الأسيوية والإفريقية ثم تطورت وشملت دول أمريكا الجنوبية.

(1)د.حميد لفته,الرأي العام, الحوار المتمدن,العدد:2507 _2008_ 12-26,انترنت.

                                                                                          (11)

B_تعريف الرأي العام العالمي:

(هو تلك الاتجاهات التي تسيطر على أكثر من مجتمع واحد أو التي تعكس توافق في المواقف بين أكثر من وحدة سياسية واحدة) هناك أمور مختلفة لعبت دور في التحولات على جميع المستويات مثل التقدم التقني في وسائل الاتصال أدى إلى: استحالة إقفال الحدود وهناك ترجمة فورية لأي موضوع.

أن التقدم التقني ترك أثارا ونتائج كثيرة منها:

1_تقارب وجهات النضر من عدة مجتمعات تجاه مشكلة واحدة.

2_ أصبح بالإمكان اخذ قياس الرأي العام العالمي عن طريق الدراسات.

3_بروز دور كبير للأحزاب السياسية وجماعات الضغط (1).

 نرى في النقطة الثالثة كيف أصبح لجماعات المجتمع المدني دور في صناعة الرأي العام العالمي مم يؤدي إلى صياغة هذا الرأي تجاه قضايا السلام على الصعيدين المحلي والعالمي.

وأيضا إن زيادة الوعي بالقضايا العالمية التي تمس البشرية ككل يؤدي إلى إجماع الرأي العام العالمي تجاه القضايا العالمي ومنها السلام العالمي التي أصبحت قضية عالمية تهتم بها الشعوب والحكومات.

4_وسائل الأعلام وصناعة رأي عام عالمي مؤيد للسلام:

إن لوسائل الاتصال, وفاعل في التأثير على مزاج وقناعات الأفراد والجماعات فمن لا يقرا يسمع ومن لا يرى يسمع وبالتأكيد هناك من يقرا ويسمع ويرى عن طريق الجرائد والمجلات والكتب والسينما والتلفزيون والقنوات الفضائية المتنوعة وعن طريق الانترنت والموبايل..الخ.

وبذالك فان من يمتلك القدرة والإمكانية المادية في امتلاك هذه الوسائل والكفاءة الإدارية والفكرية في إدارة وتوجيه وتوظيف هذه الوسائل لخدمة قضية معينة سيحقق بالتأكيد قدر كبير من النجاح وكسب الغالبية العظمى من الرأي العام.

ولاشك أن نوعية وطبيعة الحدث أو الإشكالية أو القضية المطروحة أمام الرأي العام لابد أن يتميز بقدر من الأهمية وينال الاهتمام من المتلقي ,حيث يختلف الرأي العام من حيث زمنية ضمنه منه من لا يدوم أكثر من يوم واحد وهناك ما يستمر لعدة أيام أو أسابيع أو أشهر وهناك رأي عام شبه دائم وهو ما يمثل موقف استراتيجي (وما يهمنا هو صناعة رأي عام شبه دائم حول قضية السلام العالمي).

ومن المعلوم أن للإنسان والجماعات أولويات مختلفة في درجة اهتمامه في قضية من القضايا فالتاجر والرأسمالي يهتم بما يخدم مصالحه التجربة والصناعية وما يزيد من أرباحه, والعامل بهمه مقدار أجره, والمثقف بهمه ما يتعلق بالثقافة, بمعنى أن هناك منظر طبقي مقدار أجره, والمثقف تهمه ما يتعلق منها بالوطن أو الإقليم أو العام.

(1)من ويكيبيديا,الموسوعة الحرة,الرأي العام العالمي,انترنت.

                                                                                       (12)

ومن الأمور المهمة أيضا الموروث الثقافي (والذي اشرنا إليه في المبحث الأول من الفصل الرابع أي الموروث الثقافي العالمي ), وفي واقعنا الحالي حيث أصبح العالم ليس قرية صغيرة,بل هو عبارة عن بيت واحد ذو غرف متعددة مفتوحة الأبواب على باحة الدار, مثل الاهتمام عالمي كالحفاظ على البيئة أو نزع أسلحة الدمار الشامل أو مكافحة الإمراض واسعة الانتشار كالايدز وأنفلونزا الطيور أو مكافحة الفقر والجوع والبطالة والهجرة والتميز العنصري والمخدرات( وأيضا السلام العالمي),حيث  أن وسائل الإعلام والاتصال هي من يتلاعب في العقول وهي خالقة الرأي والقرار,حيث تتمكن هذه الوسائل من تصنيع رأي عام وبذالك يكون هو المؤثر على مصدرا لقرار الجماعي والفردي على المستوى الفردي والجماعي المحلي والوطني والإقليمي والعالمي وبذالك فان من يمتلك وسائل الإعلام والدعاية الفاعلة يمتلك عقول الناس والرأي العام.

فبدلا من الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية مصنعة وموجهة الرأي العام فقد حلت الشركات الاحتكارية الكبرى عابرة القارات ومالكة القنوات والأقمار الصناعية والفضائية وقنوات التلفاز والراديو و الجرائد والمجلات ووسائل الإعلان محل هذه السلطات الشمولية , والتقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في وسائل التواصل والاتصال(1).

(1)حميد لفته, المصدر السابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى