بحوث و مقالاتمصادر في حقوق الانسان

قصائد المخيمات – حسام سالم – حقوق – دهوك

قصائد المخيمات

هوامش على حرية التعبير!

حسام سالم/ مدرب في مركز النماء وحقوقي.

تشهد الاقليات في العراق وضعا مأساويا, وذلك بتواجد أغلب أفراد هذه المجاميع البشرية والدينية في المخيمات, وكذلك في بلدان مجاورة في اوضاع لا تقل مأساة عن مثيلتها في الداخل. يعيش المسيحيون والايزيديون كجماعات دينية خارج تواجد مناطق سكنهم الاصلية واكثر من عام ونصف مرت اعتادوا العيش في الخيم حتى باتت تشكل المخيمات اسلوب حياة جديدة والذي سنتطرق له في مقال بحثي حقوقي اخر وندرج فيه الحقوق الثقافية والاجتماعية للاقليات, ولكن في هذا المقال سنركز على مسألة مهمة وهي قصائد المخيمات لما تمثله القصائد من اداة لحرية التعبير والراي وكذلك ما تمثله من اداة للتعبير عن هموم الافراد المنتمين الى جماعات الاقليات خصوصا وهذه القصائد تتناول الحقوق الثقافية, السياسية, المدنية لابناء الاقليات وتعبر عن همومهم وهي احدى الادوات التي تؤرخ تاريخهم وحياتهم في المخيمات بعد تعرضهم للابادة الجماعية.

اتناول في هذا المقال حديث مع شاعرين من ابناء الديانة المسيحية والايزيدية ومن منطقتين من مناطق تواجد الاقليات وهي شنكال “سنجار” وبغديدا “قرقوش” حيث تقع الاولى وكما هو معروف للاغلبية في غرب دجلة في مدينة الموصل وتقع بغديدا في سهل نينوى بالشرق من دجلة في مدينة نينوى وتمثل سنجار الثقل السكاني والتراثي للديانة الايزيدية كما تمثل قره قوش الثقل السكاني والتراثي للديانة المسيحية.

 سرمد وجميل شاعران حملا همّ مدنهم وابناء جلدتهم واتخذا من الشعر والكلمة وسيلة للتعبير عن معاناة وحقوق بني جلدتهم, ليكتبا عن المكان برمزيته الوجودية, العقل الجمعي لابناء جلدتهم وما يشكله من ذاكرة الابادات التي تعرضتا له المنطقتين على مر التاريخ, الابادة الجماعية, القتل على الهوية, الاغتصاب, العادات والتقاليد والفرق بين ثقافة الاقليات في مدنهم وفي المخيمات بعد النزوح القسري, هموم التعددية والتنوع, والاهم مخاطبة الاخر.

ان ما يكتبان هو وثيقة حقوقية تعبر عن مدى الظلم والانتهاكات التي تتعرض لها المسيحية والايزيدية في العراق على ايدي النخب السياسية واهمالها وعلى ايدي تنظيم داعش وكذلك لممارسات الاغلبية اللامبالية بما يحصل للاقليات, قصائدهم تعبير عن الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها ابناء الديانتين في المخيمات ومخاطبة للاخر لما تمر به اليوم الاقليات من انهيار للقيم والمنظومات الاجتماعية بسبب النزوح حيث تواجه هذه الاقليات والتي لها نظام حياتي فريد يمتد الى مئات السنين الى تدمير هذه البنى وهذا ما كفله الدستور العرقي بخصوص الشعائر الدينية التي لا تمارسها الاقليات اليوم ولاسباب عديدة حيث ضمنت (المادة43,الف, لاتباع كل دين او مذهب حق ممارسة الشعائر الدينية).

أن فكرة اخر الايزيدين وآخر المسيحين هي فكرة حتمية تواجه العراق اليوم وفي صمت حقيقي, نهاية للتعددية والتنوع, وهذا ما يكتب عنه الشاعران سرمد وجميل ليناقشا جدلية الهم الانساني وحقوق الاقليات منطلقين من الكلمة كأول حق للتعبير!

سرمد سليم, شاعر أيزيدي, انساني, يتخذ من الكلمة مهنة له بعد تركه لمدينته سنجار, ليعبر فيها عن هموم الايزيدية وما تعرضوا له من ابادة جماعية في الثالث من اب 2014 والتي ارتكبها تنظيم داعش ضد ابناء الاقلية الايزيدية, سرمد ينقش في تاريخ مدينته باحثا عن لحظة من الاستقرار الا انه لا يجد, فكل تاريخ بلدته مسجلة بالفرمانات والقتل والملاحقة بسبب الاختلاف في الدين والعقيدة, فما قام به واعظ السلاطين وما يقوم به اليوم التنظيم لا يختلف الا بالادوات ولكن النتيجة هي نفسها وهي ابادة الاقليات الدينية عن الوجود.يقول سرمد “أقمت امسية شعرية في المخيم وجمعت كل الشباب والقيت الشعر, واحلم في أن اقيم امسية شعرية اخرى خلف مخيم شاريا في دهوك اكبر المخيمات التي يتواجد فيها النازحين الايزيديون كتعبير واختياري لمكان خلف المخيم او بسافة قريبة منه رمزية ورسالة اعتصام من خلال الكلمة لما تمر به اليوم ابناء الديانة الايزيدية فنحن اكثر من عام نصرخ ولا احد يسمع”.

جميل الجميل,شاعر من قره قوش, يعيش نازحا في اربيل وهو أحد مدافعي حقوق الانسان ومتدرب يؤمن بحق الانسان بالعيش بكرامة والتعبير عن رأيه بحرية بما تكفله القوانين, ويكتب الشعر عن هموم بدلته واقليته التي تواجه الزوال من العراق اليوم جراء الملاحقة والقتل والهجر. يقول جميل الجميل “انني في العراق لا استطيع التعبير عن نفسي وكل الشعر الذي اكتبه هو مجازفة بحياتي واستقراري, حتى اني فصلت من احدى المنظمات التي تعمل بمجال الاغاثة بسبب تعبيري عن رائي بشكل صريح ومباشر, وانا كشاعر لا بد لي من التعبير عن فكري وهموم شعبي واهلي النازحين في المخيمات” وهذا  ما يتنافى مع حرية التعبير وما كفله الدستور في المادة 38, اولا حرية التعبير عن الراي بكل الوسائل, والذي يعتبر الشعر احداها.

   قصائد المخيمات, هي حالة ادبية انسانية تمارس بشكل يومي من قبل العشرات من المبدعين والشعراء الذي يعيشون في ضروف انسانية صعبة, وعدم اهتمام بهم من قبل الدولة والمجتمع المدني وتصل احيانا الى مضايقتهم وملاحقتهم بسبب كتابتهم لبعض القصائد الجريئة و”وهتك المستور” او المقدسات. وما تناولنا لجميل وسرمد الا مثالا للعديد من الشعراء الذين يعتبرون مدافعين عن حقوق الانسان, والكلمة ورصد الهم الانساني للنازحين من ابناء الاقليات.

وهنا بعض النصوص للشاعرين التي كتبوها حول حقوق الاقليات

سرمد سليم

سنجار التي لا تموت,

هي لكم..بقديم قراهابجبلها الذي لا شريك له,

بقمة (جبل ميرا)

التي لم تسمح لاقدام القتلة ان تصل,

ولا لقدم محمد ان يحفر بالقرب,

هي لكم

بساحاتها

المزركشة  بالناس

شوارعها

التي لا تنتهي

بكل اشجار التين

وكروم العنب

وبيوت الطين

هي لكم بمائها

هوائها

والغبار الذي على خشب النوافذ

هي لكم

بشرفدينها

بأبيض مزاراتها

هي لكم

كان الله يقول لا انا..

وفي قصيدة ثانية كتب يقول

هذه القصيدة واقفة تماما

كنخلة عراقية

لكنها لا ترتفع..

ربما ستسقط لعناق الطفل

الذي يبيع المناديل في الطرقات

هذا الطفل الذي اخذ قلبه الى الوجع

عينيه الى الدمع

جسده العاري الى الشارع الذي لا ينتهي

صوته الباكي الى اذن لا تسمع

ليس هنا ما يشبه شنكال

الشوارع لا يمر فيها الشعراء

القصائد تفوح منها رائحة البارود

طفلتي تسقط في حضن البكاء

وحتى حبيبتي

تكتفي بسرقة قميصي

حين تفضلني معها في اخر الليل

ليس هنا ما يشبه شنكال

رائحة الخبز في الفجر

بتلات مراد

اغاني خضر فقير

احمر شقائق النعمان

وهدير القوالين في صبيحة العيد

ليس هنا ما يشبه شنكال..

جميل الجميل يقول

ما تركه جندي في بغديدا

الشمّاس يطرقُ على سمّاعة القصيدة

والكاهن يرفعُ نخبه

واللاجئون يمرّرون ألسِنتَهم لإلتقاط صليبٍ ما

بينماالناقوسُ يصمت

والله يفك أزرارَ المطر

ويخلعُ لِسانَ الكنائس

*****

نقاطهم مرّواعلى قطر تادبِيْإينا * المقدسة

وخلعوا أضلاعَ الهيكل

واشتغلواعلى تتويجِ اسطورةِ القبر

ياكل هذاالموتُ عشْ سعيداً

*****

النساءُ

يبحثْنَ عنْ الطحين

ويعجن دموعهن بالقمح

داخلَ التنور

القمحُ الذي نأكُلهُ من أصبعِ الله

قد صار معتوهاً

كقطعةِ خبز مرمية

*****

سأكمل تقليم وجهِك

وأخلعُ تنهيدةً خرساء

سأغلقُ موتَك

*****

الوقت يدخل في أفواهِنا

ويخرج بأزيز مكتظٍّ بالخيمة

المكان جزءٌ مما فقدتهُ الآلهة

وكلّ مِمّا فقدناه

المكان وجهُل لهِ المفقود

المكانُ حبيبةٌ لمْ أكتشفْها

*****

سأبدأ بقذفِ الأنفاس

بارخمورنقومشافير*”

لكنّه الآن وقتٌ

لنرتدي أمهاتِنا كي نكونَ أكثر فرحاً

ونبدِّلَ تلفازنا ملوَّناً

كي نرى الله

ونغيّر وجوهَنا كي تمشي الروافدُ من مُقلِنا

*****

أعيدي ارتداءَ اللافتة

فالنردُ يخالفُ الله

الضوءُ الجاهر يناديكِ

والقبور تقفْ

نخباً على مناضِليك

لاأرضَ ستأكلُ الوقتَ

سواكِ

*****

سيقفل البابَ رأسُهُ

ليتحركَ مسافةَ دخولِ الظل

ويتمخَّضَ عنه سفينةً للحرب

هذه النبتات تعلّقُ كنيسةً فيجذعِها

والحندقوق سيبقى بحراً

*****

من سيحملُ المسوا عن كَتِفِ أمّي؟

هذا الجارُ خلعَ أكتافَهُ

وهذه الجارةُ باعتْ سواعِدَها

وجيراني الحقيقيون اشتروا المنفى أداةً لملابسِهم

إذنْ مَن سيحملُ صليبَك؟

*****

بغديدا ترطّبُ ما أحرقتهُ الشمسُ

ويومُها

من النارِ المتجمد

شوارعُها أوردةُ الله

وفي الحيِّ مقهى يتطايرُ الهواء

نحوَآدم

أنا لستَ هو

وجسدي مشرّحٌ تحتَ أفئدةِ الملح

أكادُ أجوعُ، أموتُ

سأخلعُ هذه الإنتكاساتِ الكوميديةَ

ربَّما فراقُها

قلقٌ من إذاعةِ مباشرة

تمثل هاتين التجربتين والمقابلة مع الشاعرين في اربيل للوقوف على ممعاناتهم اليومية التي تتمثل في معاناة اهلهم وما يحلمون فيه من توفر حقوق ابناء جلداهم وحق التعبير عن الكلمة والراي والتجمع, وتعتبر تجربة قصائد المخيمات بؤرة لثورة ثقافية وفكرية تحاول كسر جدار المقدس ومخاطبة الاخر بلغة وادوات جديدة تكون اكثر جدية وصريحة ومباشرة لما تمر به الاقليات اليوم من انتهاك لحقوقها وتعرضها الى ابادة جماعية وثقافية وزوال التعددية ووجود الافراد المنتمين الى اقليات دينية واثنية خارج مناطقهم الاصلية التي كانوا يمارسون فيها شعائرهم وطقوسهم ونظام حياتهم الذي يكفله الاعلان الاعالمي لحقوق الافراد المنتمين الى اقليات دينية او اثنية وكذلك الشرعة الدولية لحقوق الانسان وكل الاتفاقات والمواثيق الدولية التي تكفل الحقوق الثقافية والمدنية والدينية للشعوب الاصلية.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى