بحوث و مقالاتمصادر في حقوق الانسان

عـن المجهول أتحدث – أيوب حسن – مجموعة اشنونا – بغداد

عـن المجهول أتحدث

ايوب حسن
مدافع حقوق انسان – مجموعة اشنونا – مركز النماء لحقوق الانسان

مـن قال لكم ان المجهول هو شئ لا وجود لـه ؟ ومن قال لكم ان المجهول هو شئ لا قيمة لـه ؟ ومن قال لكم ان المجهول هو فراغاً يحتاج الى الملئ ؟ ومن قال لكم ان المجهول عدماً فاتـركوه ؟ ومن قال ان المجهول أمر منفي لا تأكيد له ؟
كـــلا … فتلك هي تحليلات خاطئة في عصرنا الحديث … فالمجهول بينكم قبل ان تعلموه .. واكثر من المعلوم وجوداً وتجبرون انفسكم بان لا تدركوه .. وباصراركم واغفالكم عنه تتجاهلوه .. وبنفوسكم التي تأبـى النظر اليه تتناسوه …. فـفي بلدي المجهول هو ذاته المعلوم ، وفي بلدي للمجهول قيمة كبيرة ومساحة واسعة وثقل كبير … لا بـل تجد المجهول يرجح في كفته على المعلوم بيننا دون ان نعلم.
وهنا دعوني اطلق العنان لشئ يسير عن المجهول …. لاتحدث عن المجهول الاول في الكون الا وهو الانسان ، فمصير الانسان الذي يعتبر الكائن الاول على وجه الكرة الارضية ، اصبح في بلدي على وجه التحديد مجهولاً ؟؟ واصبح في بلدان من حولي اكثر غموضاً ونسياناً وتناسياً واهمالاً
لكن دعوني في بلدي ، ثم دعكم معي فيه ،،، فهل بعد هذا المجهول معلوم ؟؟

نظرة حقيقة
ما ان شاهدت احداث المدن العراقية في احدى ضفاف البلد المنهك والتي ضاعت تحت النزوح والتهجير والتدمير بيد العمائم التائهة وراء افكارها ، والتي جمعتها من خزائن الكتب التي انطوى عليها الزمن واصبحت باليه مما تحمل من افكار ، وأربطة العنق المتسكعة هنا وهناك تستجدي الكرامة المفقودة ……. وما ان شاهدت في الضفة الاخرى مدناً عراقية يحكمها ( الرشاش – العقال – المضيف – العباءه )

حتى وجدت الانسانية تتقاسم رغيف المجهول فيما بينها من اقصى حدود الشمال حتى اقصى حدود الجنوب على ارضٍ تسمى العراق
وما ان نظرت بعيداً بين طيات التلال والجبال وبين قصبات البردي في الاهوار حتى وجدت اناساً منفيون ومسبيون ، واناساً من الدرجة الثانية محسوبون ، واناساً على هامش العيش يعيشون ، واناساً على الانسانية غير مصنفون ، ونحن لهم بلا حولٍ ولا قوةٍ اليهم ناظرون .

امثلة من المجهول المعلوم
قف على ناصية المخيمات البالية ، تلك التي حملت عاراً ابدياً لن يمحوه التاريخ من جبين الانسانية ، وشاهد بأم عينك ، اطفالاً تركوا المدارس وهم احياء وعلى قيد الوجود ، لكن هل من حاضرٍ يـُـسجل لهم ؟؟ وهل من مستقبل ينتظرهم ؟؟ وماذا ستبني المخيمات لهم من شخصيات سواءاً كانت انثوية وذكورية ؟؟ وعن اي حقوق يعيشوها وهم مصنفون في اخر صفوف الانسانية ، هذا إن كانوا يعاملون بانسانية من الاصل ؟؟ اجبني ان استطعت ، اجيبني ان تقوين على ذلك ؟؟
ثم قف على ناصية الذين يرزحون تحت وطـأة المدن التي تقع خارج سيطرة الامن والحكومات الواهية ،،، و اكــرر ، هم امام اعيننا احياءاً معلومون لكنهم في الاصل مجهولون ،، ترى ماذا تحمل نفوسهم اليوم ؟؟ وبما يفكرون ؟؟ واي جيل ينشأ تحت ايديهم ؟؟ وعن اي ماضي بقى في اعماقهم يتحدثون ؟؟ وعن اي حاضر سيعيشون ولأي مستقبل ينتظرون ؟؟ اطلق رصاصة الرحمة عليهم فهم مغيبون . ومن السنتنا مظلومون ، فنحن نحكم عليهم اليوم بالخيانه ، دون ان نعي انهم تحت قضبان السجون ، فهل لسجينٍ ان يخون ؟ وهل لسجين الحق في ان يرفع رأسه مطالباً بحقه ؟ وهل لسجين القوة على مجابهة سجانه ؟؟ اجيبوا انفسكم ان فهمتم القصد.
ثم خذ خطوات قدميك و توجه /توجهي معي الى محافظات و أراضٍ أخرى يعيش فيها الرجل موجوداً سائراً بهيبته على الارض ، بين أروقة المضافات ومجالس العشائر ، ويتبجح بكلامه المنمق وبقصائده و ابياته ، ويتفاخر بأجداده وأعرافه ، ولكن له نساء تقبع في الغرف الطينية والصرائف وتعيش تحت اقدام الحيوانات (تأخذ حليبها وتطعمها من حشائش قريتها ومدينتها ثم تغفوا الليل قرب حضائرها) ، اليست تلك النسوة معلوم ؟ وفي نفس الوقت كائنٌ مجهول ؟؟ اليست على قيد الانسانية وتباع في نفس الوقت بالفصلية ؟؟ اليست كائناً حياً ولكنه في الحقوق ميت؟؟
و هلم بي الى مظالم السجون ، ولنذهب قليلاً حيث الاحكام الغريبة ، حيث التلون في المصيبة ، فالمجرم يجلس في نزهه ، والاخر يجلس معه في غرابة ، فما بالكم بالصورة الاولى ، لمن يرزح 10 سنوات على ذمة التحقيق و التوقيف ( 10 سنوات ملقى بلا محاكمة ولا حكم ) ، وما بالكم بمن دخل السجن بعمر الـ12 وهو اليوم بعمر الـ 23 عاماً و لا يعرف سبب دخوله ، اليس ذلك معلوماً وحياً وهو في نفس الوقت مجهول؟ ، وعينات اخرى بالالاف ترزح مثلهم تحت وطأة المجهول ، وبالمقابل

المعلوم تحت وطأة النوم
المعلومون هم تجارنا الاعزاء وحكامنا الاجلاء ورجال ديننا الاوصياء ومواطنون لا يرضون بالتفكير في الاشقياء
فالمعلوم في بلدي من لا يفكر بمن حوله ، ولا يعطي الحق لمن يجاوره ولا يناقش من يناقشه ويقدم مصلحته العليا على مصلحة المجهول السفلى
نعم انهم من سنوا القوانين لتخدم مصالحهم ، ومن وضعوا المجاهيل لترتفع مكانتهم ، والغوا وجود الانسانية لتطفوا مراكبهم
فلا تلوموا من يندبون الحظ من ابناء بلدي ولا تتعالى الاصوات على جثث الاحياء ، فاحياؤكم يتألمون مما يتعرضون له من ضربٍ مبرح من سياط حديثكم
المجهول الذي يلاحق الجميع مالياً واقتصادياً وامنياً وحياتياً ووجودياً ومجتمعياً واسرياً وفوق كل ذلك انسانياً ، هو ذاته المعلوم الذي نعيشه ونخدع انفسنا به ، فمعلومنا اليوم مجهول ومجهولنا اليوم مجهول ، ومصيرنا في كل الاحوال يحمل المجهول تلو المجهول ، تلك هي نظرة واقع لا نظرة يأس ، و تلك هي مقتطفات من المجهول الاكبر الذي نعيش داخل دائرته الكبيرة .

وللحديث بقية
عن المجهول اتحدث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى