بحوث و مقالاتمصادر في حقوق الانسان

شمس المرأة لن تغيب – وئام االبياتي

عرفناها عناوين عديدة متوزعة على صفحات كل كتاب، عرفناها اشراقة تؤطر عنوان كل قصة، عرفناها بطلة كل رواية، عرفناها بنتاً واختآ، عرفناها زوجة وأماً، عرفناها أحدى كفتي ميزان الحياة لا تستقيم الدنيا من دونها،عرفناها فردا لها هويتها الشخصية والاجتماعية، لها من الحقوق والواجبات وألا دوار ما للرجل في عالم الحياة اليومية. فالمرأة ليست سقط المتاع وهي ليست بضاعة تشترى وتباع كما هو المفهوم السائد لدى العقليات القديمة وبعض العقليات الحديثة التي تتعامل معها على أنها مفردة حياتية عديمة الإحساس والجدوى.  

عرفناها مكون عانى التهميش والحرمان من ابسط الحقوق وما عليها سوى أداء الواجبات فقط فظلمت أيما ظلم و أقصيت أي إقصاء. لم يسمح لها بالمشاركة في التعليم وممارسة العمل الوظيفي و خوض غمار العمل السياسي والانتخابي. عرفناها مهمشة في كل المجالات: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بسبب قوتها الجسدية الضعيفة لا العقلية كما يدعي البعض، و قد كان هكذا حالها على مر الأزمان .

إنها المرأة !!!ففي الوقت الذي نجد فيه أن الله سبحانه وتعالى قد سد ما يمكن أن يجلب للمرأة الأذى في وقت لا يهاب فيه إلا القوي فكفل لها نفقتها و أوجبها على أبيها ثم زوجها و أمرها بستر مفاتنها كيلا يطمع فيها مريض. على أن هذه الاحترازات جلبت سوء فهم عند المسلمين بعد الرسول (ص) وفي عصور التأخر خاصة فخلطوا المفاهيم و تصوروا بأن المرأة ضعيفة عقلا وليس جسدا فقط،وأنها مواطنة من الدرجة الثانية أو الدنيا و أنها يجب ألا تخرج من بيتها إطلاقا أو للضرورة فقط.

ونظراً إلى تفاقم هذه الظاهرة والحال المتردية التي وصلت إليها المرأة في عالم اليوم، فقد تبنت منظمة العفو الدولية في مارس/ آذار 2004 إطلاق حملة عالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي سلطت فيه الضوء على مسؤولية الدولة والمجتمع والأفراد لوضع حد للعنف ضد المرأة وعممت فيها تقريرها المفصل تحت شعار «مصائرنا بأيدينا.. فلنضع حداً للعنف ضد المرأة»،

تعددت تعاريف العنف إلا انها تعني معنى واحد وهو كما ذكر قاموس (Webster) أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير وتعني بمفهوم العنف هنا تعمد الإضرار بالمرأة وقد يكون شكل هذا الضرر مادي من خلال ممارسة القوة الجسدية بالضرب أو معنوي من خلال تعمد الإهانة المعنوية للمرأة بالسباب أو التجريح أو الإهانة. وهو سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسياً مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.
كما يعرف العنف في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي وقعته الأمم المتحدة سنة 1993 بأنه( أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحريـة، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة ) وعليه يعد العنف ضد المرأة خروجا وخرقا لكل المواثيق الدولية والشرائع السماوية،فهو امتهانا للكرامة الإنسانية و هدر لحقوق الإنسان التي ضمنتها الكثير من الشرائع والسنن ويظهر العنف ضد المرأة في مختلف قطاعات المجتمع بغض النظر عن الطبقة والدين والثقافة أو البلد وتخلفه وتقدمه،وكثيرا ما تتنوع دوافع العنف ولا يمنع حدوثه تقدم البلد أو انخفاض نموه أو كون المجتمع من المجتمعات المتحضرة أو المتخلفة،.وفي مجال مواجهة العنف
أعتبَر ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتُمِد في سان فرنسيسكو في العام 1945 أول معاهدة دولية تشير، في عبارات محددة، إلى تساوي الرجال والنساء في الحقوق. وانطلاقاً من إيمان المنظمة الدولية بالمساواة في الحقوق بين الجنسين،وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948) رفضه التمييز على أساس الجنس في مادته الثانية ورفضه للاسترقاق والاستعباد في المادة الرابعة،والتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية في المادة الخامسة،وأشار في المادة(16) على سن الزواج الذي هو سن البلوغ،وكد على التساوي في الحقوق

وقد بدأت المنظمة الدولية ومنذ وقت مبكر، أنشطتها من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة، فأنشأت لجنة مركز المرأة في العام 1946 لمراقبة أوضاع المرأة ونشر حقوقها. وفي إثر شيوع مبدأ المساواة في العالم وفق ما نصت عليه الشرعة الدولية لحقوق الإنسان واستمر الجهد الدولي من اجل إنصاف المرأة ورفعها من حالة الدونية والارتقاء بها إلى مستوى المساواة وعدم التمييز، عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966) واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)،.وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلانا بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة بموجب قرارها المرقم 3318 في 14 كانون الاول 1974 دعت فيه جميع الدول والأعضاء الى الالتزام بمبادئ القانون الدولي:المرأة المنتمية للأقليات وحقوقها كما أسهمت منظمة العمل الدولية بتحسين مستويات العمل وعلى جميع الأصعدة ، فأبرمت الاتفاقية رقم 19 لسنة 1952 بشأن المساواة بالمعاملات (حوادث العمل) والاتفاقية رقم 10 لسنة 1951 بشأن المساواة بالاجور.عدم إجراء الزواج تحت السن القانونية وعدم الإجبار على الزواج، وأصدرت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في قرارها المرقم (106/52) لسنة 1995 اتفاقية الطفل، ومن حقوق الطفلة: الحق في الحياة وفي عدم تمييزها عن الذكور وفي التعليم والسلامة البدنية والحماية من الاعتداءات. 

وفي 18ـ كانون الأول / ديسمبر 1979، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو CEDAW“، ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في 3 أيلول / سبتمبر 1981 كاتفاقية دولية بعد أن صادقت عليها الدولة العشرون. وبحلول الذكرى السنوية العاشرة للاتفاقية عام 1989، كان ما يقرب من مائة دولة قد وافقت على الالتزام بأحكامها.وبلغ عدد الدول التي انضمت إلى الاتفاقية 171 حتى تاريخ 28 تشرين الثاني 2002.أعلنت الجمعية العامة يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام حول ظاهرة العنف ضد المرأة .

وربط المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر عنه ما يعرف بإعلان وبرنامج عمل فينا (1993) بين العنف والتمييز ضد المرأة، الفقرة (38) على أن مظاهر العنف تشمل المضايقة الجنسية والاستغلال الجنسي والتمييز القائم على الجنس والتعصب والتطرف وقد جاءت الفقرة ما يلي” يشدد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بصفة خاصة على أهمية العمل من أجل القضاء على العنف ضد المرأة في الحياة العامة والخاصة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الجنسية والاستغلال والاتجار بالمرأة والقضاء على التحيز القائم على الجنس في إقامة العدل وإزالة أي تضارب يمكن أن ينشأ بين حقوق المرأة والآثار الضارة لبعض الممارسات التقليدية أو المتصلة بالعادات والتعصب الثقافي والتطرف الديني”.أن التعذيب يتغذى على ثقافة عالمية ترفض فكرة المساواة في الحقوق مع الرجال والتي تبيح العنف ضد النساء.أظهر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في عام 2001 أن واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تعرضت للضرب أو الإكراه على ممارسة الجنس أو إساءة المعاملة بصورة أو بأخرى،كما أشارت العديد من الدراسات الميدانية لمنظمات إنسانية غير حكومية أن امرأة واحدة على الأقل من كل ثلاث، تتعرض للضرب أو للإكراه والإهانة في كل يوم من أيام حياتها. كما ذكرت منظمة الصحة العالمية بأن قرابة 70% من ضحايا جرائم القتل من الإناث يُقتلن على أيدي رفاقهن الذكور. وتمثل النساء والأطفال قرابة 80% من القتلى والجرحى من جراء استخدام الأدوات الجارحة والأسلحة, حسبما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة.من كل ذلك نلاحظ ان المرآة وعلى مر السنين كانت ومازالت تعاني من التمييز الذكوري المجتمعي ضدها فلا يسمح لها بالوصول لمراكز صنع القرار شعبيا و ليس لديها قانون للأحوال الشخصية أما المظالم الاجتماعية الواقعة عليها فحدث و لا حرج هذا كله غير المظالم التي تشترك فيها مع الرجل:السياسية و الاقتصادية و الطائفية.

أما إذا ما أخذنا المرأة العراقية أنموذجا لبيان دور المرأة في المجتمع فنرى انها في حالة صراع دائم من أجل البقاء حالها حال أخيها الرجل خاصة عند الحروب العديدة التي مر بها العراق و بعدها وعند الحصار الاقتصادي. فتعيل أسرتها و تقوم بدور الأم و الأب في ظل فقدان الأب و تحاول حماية نفسها و أسرتها ما استطاعت في ظل انعدام الأمن  إضافة للسجون و القتل و الإبادة الجماعية سابقا ، و الاحتلال و الحرب الطائفية حاليا كل ذلك يلقي عليها مسؤوليات ثقيلة وجسيمة  فعليها أن تجاهد لتنال حقوقها و تثبتها قانونيا و منذ البداية و هذا طبعا يتطلب من النساء الكثير كالوعي التام بحقوقهن و العمل على نشر الوعي الحقوقي بين بنات جنسهن و المجتمع ككل وان ينظمن أنفسهن و جهودهن و يسعين للتمثيل السياسي في البرلمان و الحوار مع القوى الفاعلة في الساحة كما يترتب على ذلك توطيد العلاقة مع الجهات الحقوقية للحصول على الدعم المادي و المعنوي.

ومن هنا كان على المرأة المثقفة الدور الأكبر والمسؤولية الأعظم في عمليات تغيير المفاهيم المجتمعية البالية حول دور المرأة في المجتمع وفي بناء ثقافة وطنية توعوية تساهم في الحد من بقاء الرجل في برجه العاجي والمرأة تنظر اليه من أسفل البرج معزولة عن المشهد الاجتماعيومنتظرة فرصتها ودورها متى ما أصدر الأمر لها بل عليها السعي الجاد لتبقى المرأة شمسآ لن تغيب ونبعًا صافيا لا ينضب إلى قيام الساعة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى