بحوث و مقالاتمصادر في حقوق الانسان

العنف اللفظي عند الشباب…الاسباب والحلول – ميثاق حامد الجباوي

 

تشهد المجتمعات العربية عامة والمجتمع العراقي على وجه الخصوص في الاونة الاخيرة استشراء مرض من الامرض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات المتحضرة وهو مرض (العنف اللفظي عند الشباب ) والذي اصبح يشكل ظاهرة شبه مألوفة كثيرا ما يلاحظها الفرد في مجتمع يفترض ان يكون الدين الاسلامي هو الدين الرسمي فيه و يعتبر من المجتمعات المحافظة نوعا ما، الا اننا لا نستطيع ان نغفل هذه الظاهرة السلبية ونحن نشهد في يومياتنا تفاصيلها ويتناهى الى اسماعنا انواع العبارات البذيئة والخادشة للحياء في كافة المرافق والتجمعات بدءا من الاماكن العامة ومرورا بالمنتديات الاجتماعية والرياضية وانتهاءا بالمؤسسات التربوية والتعليمية كالمدارس والمعاهد والجامعات .

وتختلف العبارات  العنيفة المستخدمة باختلاف فئاتها فنجد الشباب اكثر الفئات استخداما لهذا النوع من الالفاظ ولا تستثنى منهم فئة محددة كالطالب الجامعي والموظف الشاب والمتسرب من التعليم والامي على حد سواء وتتباين من استخدامهم للسباب والشتم فيما بينهم وتقاذفهم بالالفاظ البذيئة وصولا للنيل من الذات الالهية والمعتقدات الدينية .

ونحن اذ نقول ان فئه الشباب هم الحلقة الاوسع في حلقات التأثير الذين يطالهم هذا النوع من العنف اللفظي فأننا وللاسف نتحدث عن شريحة تمثل عماد وركيزة الحاضر وذخيرة المستقبل واساس صلاح الامم وتقدمها اذا ما تم استثمارها وتوجيهها بالشكل الامثل باعتبار الموارد البشرية من اهم الموارد التي تسعى الامم الى الحفاظ عليها استثمارها لتحقيق التنمية المستدامة.. الا ان ما يحدث على ارض الواقع يشير الى الاتجاه المعاكس فاليوم اصبح الشاب يتفاخر بتقاذف هذه الالفاظ مع اقرانه واو حتى ممن هم اكبر منه دون اي خجل او حياء ودون اي شعور بالحرج او المسؤولية عن الخطأ ذلك انه اصبح ينظر اليها حالة عامة ووضع مستساغ من باقي اقرانه الذين كانت صفة العنف اللفظي احدى شروط الانتماء اليهم ومصاحبتهم ،حيث ان الشاب اصبح يعتبر التلفظ بتلك الالفاظ النابية مثل كلمة مرور يستطيع من خلالها اختراق ودخول المجموعات الشبابية التي تستهويه و يرغب ان يكون جزءا منها  حيث تكون الالفاظ البذيئة دجزءا من (بريستيجهم ) المميز ومن لا يتمتع بتلك الصفة يكون من الطراز القديم الذي اوشك على الانقراض.

الاسباب الجذرية

وللوقوف على طرق معالجة هذه المشكلة يتوجب علينا ولا معرفة الجذور والاسباب الرئيسية لها ، حيث تعتبر الارة اهم هذه الاسباب واقواها كونها تمثل النموذج المصغر من المجتمع ككل ، وحيث ان تنشئة الفرد بخطواتها الاولى تبدأ من هذه اللبنة الاساسية من لبنات المجتمع ، لذلك كان لزاما على الاسرة ان تقوم بدورها الاساسي الاذي تضطلع به وهو تربية الابناء التربية السليمة وتنشئتهم النشأة القويمة بافضل شكل .

ان الابن او البنت الذي ينشأ في اسرة قويمة تسودها اجواء الهدوء ولو نسبيا ولا يتنابز افرادها فيما بينهم ويحترم احدهم الاخر ويرتبطون بروابط اسرية متينة سيكون فيما بعد شخصية متزنة تمتلك من الحصانة الاجتماعية ما يؤلها لصد مغريات الانحراف وسوء الخلق اذا ما دخل معترك الحياة ، وعلى العكس تساهم الاسرة التي تكون مشحونة بالخلافات الاسرية والصراخ والعصبية في صقل شخصية عنيفة على المستوى القريب والبعيد ولديها الاستعداد النفسي الكامل لتقبل كا ماهو عنيف لفظا وعملا ذلك ان العقل الباطن يصبح لديه من المخزون ما يكفي للاستجابة لكل ماهو مشابه ما اعتاد عليه في يومياته العنيفة وبذلك يكون ارضية خصبة لتلقي المزيد منها اذا ماخرج الى الدائرة الاوسع وهي المدرسة.

ودور المدرسة هنا لايقل اهمية عن دور الاسرة ذلك انها المؤسسة التعليمية الرسمية الاولى التي يتلقى فيها الانسان مباديء تكوين وتقويم الشخصية حيث يكون الطفل بانتظار الالتحاق بها طيلة السنوات الست الاولى من حياته وحالما يلتحق بها تكون اذانه وباقي حواسه على اهبة الاستعداد لتلقي كل مايتلفظ به المعلم وهو الشخصية الابرز في حياه الفرد بعد الوالدين ، واذا ماكان ذلك المعلم ليست لديه المقدرة على استيعاب دوره بالشكل الصحيح وبالتالي يقوم باستخدام عبارات العنف امام التلاميذ فهنا تكمن الكارثة الاولى التي تمثل اولى خطوات انهيار علاقة الثقة بين الطالب والمدرسة ورفد العقل بالباطن بالمزيد من مخزون الالفاظ العنيفة والكلمات البذيئة التي سيستثمرها في اقرب فرصة دون وعي منه او ادراك عن طريق تبادلها بشكل تلقائي مع اقرانه في ساحات اللعب والدرس حيث سبق ان اخذ تفويضا ضمنيا باستخدامها عندما سمعها من معلمه وقدوته وربما من الوالدين ايضا .

وبتكرار الفعل والسلوك يصبح بشكل ما راسخا في الذهن بما يشبه القناعة وبالتالي عندما يصل الى مرحلة الجامعة ويدخل الحياة من اوسع ابوابها يكون قد وصل لدرجة تبرير هذه القناعات وايجاد العذر المناسب لتسويغها وتقبلها من الاخرين ، فضلا عن ذلك فهو الان يحاول اثبات ان مرحلة الطفولة البريئة والمراهقة قد انتهت وهو بطور اثبات مرحلة الشباب وان التلفظ بالفاظ الجماعة وان كانت بذيئة هو احدى طرق اثبات هذه المرحلة واحد اساليب اثبات الشخصية والتاثير في الاخرين كما يضن .

وهنا ايضا يكون للاسرة دور فاعل يتمثل في مراقبة الابناء وسلوكهم داخل المدرسة ومحاولة ارجاعهم الى الوجهة الصحيحة في حال انحرافهم عنها بسبب رفقاء السوء او بسبب تاثرهم بالاجواء الجديدة والعودة بهم الى التربية الصحيحة والمباديء التي تلقوها من الاسرة.

المعالجات والحلول

من اجل الحد من هذه الظاهرة او تحجيمها في الاقل يستةجب الارتقاء بمستوى الشباب وجعلهم بمستوى الطموح والامل ، ويتطلب هذا الامر حلول ناجعة تتمثل اولا في تسليط الضوء على الاسرة والعمل على رفع وعيها وتعريفها بالدور الاساسي الذي تلعبه في تكوين المجتمع ، وان كل فعل او قول يصدر داخل الاسرة سوف ستحول الى سلوك وقناعات لابنائها في المستقبل القريب والبعيد ، وان اي تهاون او تقصير في هذا المجال سيجعل من الابناء فريسة سهلة للاغواء والوقوع في دائرة العنف اللفظي الذي يمثل ارضية يمكن ان تتطور لباقي انواع العنف وحصول ما لا تحمد عواقبه، وان يتم التنبيه ان دورا الاسرة لا يقتصر على توفير لقمة العيش –وان كانت مهمة صعبة في هذا الوقت – وانما يتعداه الى الدور الاهم وهو تربية الفرد ليكون ركيزة مهمة تستند اليها الاجيال القادمة وبصلاحه يصلح المجتمع.

من جهة ثانية اجد من الضروري رفد واغناء المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية بدءا من المدارس وصولا الى الجامعات والمؤسسات العلمية بمختصين في علم الاجتماع يعملون على توعية الجيل وتوضيح الحقائق والمباديء والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها وبما يتناسب ومتغيرات العصر الحديث الذي اصبح الاعلام المغرض والفضائيات المقيتة سمة من سماته الاساسية ةالتي تسعى نشر الرذيلة وبث انواع السموم الفكرية لتدمير الجيل ، ولذا كان لزاما على المؤسسات التعليمية والتربوية ان تكون بمستوى هذا التغيير ومواكبة هذا التطور المزعوم بما يحاكي ذهنية الشاب وهنا اركز ان يكون المعنيون بهذا الامر هم  من ذوي الاختصاص الاجتماعي او مختصوا التنمية البشرية ممن هم اقدر من غيرهم على ايصال الفكرة ولديهم القابلة والقدرة على اقناع جيل الشباب بالفكر القويم وبالطريقة التي تناسبهم دون الاشارة الى انهم في وضع سيء لا يمكن الخلاص منه وان ما يحصل هو وضع خاطيء لكنه استثنائي وستم الخلاص منه سريعا اذا ما رغب الفرد منهم بالتغيير  مصداق للقول (( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ))

واخيرا يجب ان يقوم الاعلام الهادف بدوره الصحيح بنشر ثقافة الحوار الصحي والارتقاء بمستوى الحديث وتسليط الضوء على الجوانب السلبية التي تنطلي عليها هذه الظاهرة السلبية والدعوة الى نبذها بكل الاشكال عن طريق القيام بحملات توعوية وطبع نشرات وبوسترات تصب في هذه الهدف او تنظيم حلقات نقاشية داخل اروقة الجامعات والمعاهد لتجعل من المؤسسات التعليمية منبرا من منابر الثقافة والحوار البناء ونبذ اعلتف بكافة اشكاله والوانه نحو مجتمع امن ومتطور وافراد بمستوى الطموح والتميز.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى