الانتحار .. لكن لماذا ؟ – ايوب حسن
الانتحار .. لكن لماذا ؟
ايوب حسن – مدافع حقوق انسان / مجموعة اشنونا – بغداد
غالباً ما يتوارد الى اذهاننا جميعاً تلك المفردة المخيفة ، وكثيراً ما تطرق مسامعنا او يتحدث البعض عنها باستغراب و حيره ، والبعض منا حين يسمعها لا يتردد على لسانه الا عبارات (اعوذ بالله) ، (هذا الشئ حرام) … لــكــن هل تساءلنا يوماً لماذا الانتحار ؟؟ وهل عرج احدنا يوماً على موضوع انتحار النساء ثم الرجال ثم الشباب في ايامنا الحالية؟ ، وهل بادر احد منا لفهم ما يحصل وسوف يحصل ؟؟
الاسباب التي تدعوا الى الانتحار هي التي تجعلك وتجعلني نقف عن ابداء الحكم المسبق على (المنتحر ، المنتحرة) وعن فعلته التي فعلها …. تجعلنا لا ننعت تلك الحالة باشياء لا تمت بصلة الى ما يحدث لها ، وان لا نبرر تبريرات تجعل منها ومن مقترفها ( هو او هي) المذنب بما يفعل ، بل ضحية لما فعل
اكثر من 700 حالة انتحار !!!
الرقم الذي يقرأه القارئ اعلاه ما هو الا حصيلة حالات الانتحار المسجلة رسمياً لدى منظمات وليست جهات حكومية ، لحالات انتحار نسائية ، رجالية ، شبابية ومن كلا الجنسين بين عامي 2013 و 2015 ، ناهيك عن الحالات الاخرى الغير مسجله والتي لا علم للجهات الرسمية بها ولا حصر لازديادها
والسبب هنا يعود وبشكل عام الى ضعف الجهات الرقابية والقوانين الرادعة لمسببي الانتحار للاشخاص ، وليس للاشخاص المنتحرين انفسهم ، فالضحية لا يلام بقدر ما تلام الجهة التي ضحت به واوصلته الى هذا الطريق.
فلو كانت على سبيل المثال هناك رقابة على الشخص الذي يكرر حالة الضرب المستمر والمبرح لزوجته ، وتم وضع قانون يجرم ما يفعله ، لما استمر في الايذاء المستمر لها والذي يؤدي في نهاية المطاف الى لجوءها الى الانتحار في بعض الاحيان.
كما ان الفئات الشابة (الاناث والذكور على حد سواء) التي تقبل على الانتحار فلها اسبابها ، لا بل اسبابها المقنعه في ذلك ، فلو سألتني لماذ الاسباب مقنعه ؟؟ فسأجيبك وبشكل مباشر.
ترى هل وفرت للشاب المقبل على الانتحار عمل يجني منه لقمة عيشه ؟ هل اعطيت للشاب حرية التعبير ليطالب بحقه ؟ هل وفرت له سكناً او ارضاً يمتلكها ليبدأ بها حياته ؟ هل احترمت الحكومات والجهات الرسمية وغير الرسمية معظم الشهادات التي تنتجها الجامعات؟ هلى اعطت فرصه لمن هم اهل لادارة البلاد من الفئة الشابة ليأخذوا حقهم في ذلك؟ هل راعت المحتاج منهم او الذي بلغ به الفقر ما بلغ ، او الذي يعيل عائلة باكملها ، او الذي يمتلك مرضاً مزمناً او عاهة جسدية مخفية او ظاهرة ، او الذي لا يقوى على مواكبة الزمن الحالي بكل محتوياته ومجرياته؟
قبل ان تجيب اقول لك (لا اعتقد) ، فلا وجود لشئ واضح للعيان لتلك الامور في بلادنا ، وإن وجدت فهي بنسب قليله لا ترتقي الا التفاخر بها امام دول تجاورك او بعيدة عن دولتك ، اما النسب الكثيرة فتتجه الى متاعب الحياة ومصاعبها ، ومن بين تلك النسب الكثيرة تظهر الحالات التي تلجأ الى الانتحار ، وذلك بسبب وصولها الى مرحلة اليأس المطبق والنهائي لما جنته مما حولها من غلق لكافة الابواب والطرق المؤدية الى المعيشة الانسانية الاعتيادية.
(النزوح – الأمن – الأعراف) .. آفات انتحارية
لم لا نتسائل لماذا ينتحر بين الحين والاخر (نازح – مهاجر – او مهدد) من الوضع الامني ، لانه ببساطة يعيش في حالة دون حالة العيش الانساني التي يعيشها اي انسان عادي في دول اخرى كامثال دول اوربا ودول امريكا ، وان اردت تجربة ذلك :- ضع نفسك في خيمة وسط صحراء بين اطفال يتباكون جوعاً ونساء تستجدي العون او تصل الى اعطاء قطعة الشرف المتبقية لها من اجل الخلاص من هذا الهلاك ، ماذا سيكون ردة فعلك ؟؟ الانتحار دون اي شك.
اما النساء التي ترى امام اعينها ابناءها يتساقطون بين نيران الحروب وجبهات القتال وبين المفخخات وبين فقدانها لابسط سبل المعيشة وبين الضيق الذي تتعرض له كل يوم في الشارع والمنزل والعمل (ان كان لها عمل اصلاً) ، وبين التنقل من مكان لاخر بسبب الهجرة والنزوح وبسبب الامواج المتلاطمة من الاوضاع الامنية التي تحيط بها وبعائلتها ، ترى ماذا ننتظر منها ؟ فطريق الانتحار هو اقصر الطرق لها.
ثم نعرج على الاعراف السائدة لدى الجهات العشائرية والدينية والقبلية ، والتي تنتقص من الجنس الانثوي وتجعل منه شماعة لأي تهمه ، لا بل تجعل منه فريسة لاصدار اي حكم ، وباضعاف الاضعاف عما يعاقب به الجنس الذكري ، ومنها ما نراه اليوم (الفصلية) :- وهي استبدال الدية العشائرية بدل الاموال بالنساء ، فماذا تنتظر من نساء تساق لتباع لرجال هم ليسوا اهلاً لها ، اليس الانتحار هو خير سبيل لها ، بدلاً من ان تعيش تحت اذلال هكذا اعراف ؟
وكذلك ما نراه في معاملة المرأة على انها كائن من الدرجة الثانية او الثالثة من حيث قساوة التعامل الاسري او المجتمعي او القبلي ، حيث يتم الحكم عليها جزافاً لمجرد وقوعها في خطأ واحد ، مقابل ما يفعله الرجل بعشرات الاخطاء ، لتجد نفسها امام المحاسبة الشديدة والتي قد تصل الى القتل ، اليس الانتحار اقصر من هكذا تدريجات؟
لذا ، علينا ان لا نحاسب المنتحر لماذا ينتحر ، علينا ان : ( نوقف العشيرة عند حدها ، ثم نوقف الزوج عند حده ، ثم المؤسسة الحكومية عند حدودها ، ثم الجامعة – الشارع – المجتمع ) ….. لنوقف الجميع عند حدود معينه تجعل من المنتحر يجد انفاساً لبقاءه ولكرامته ولو بالشئ اليسير لنفسه ، ليقف او ليتردد لمره اوعدة مرات قبل اقدامه على الانتحار …. ولا يقال ان تلك الحدود مستحيلة ومثالية ، فما ان تضع قانوناً لكل جزء منها وتطبقه بالصورة الصحيحة وعلى قدر المستطاع ، فانك بذلك ستنقذ العشرات ممن يرومون الى الانتحار قبل فوات الاوان.